أخبار دولية

يديعوت: العالم يرفع البطاقة الصفراء لحكومة نتنياهو

قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن إسرائيل تكبدت هزيمة دبلوماسية قاسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعدما أعلنت دول جديدة، بينها قوى غربية كبرى، اعترافها بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة.

ووصفت المشهد في تقرير للمراسل السياسي للصحيفة بأنه “انحدار إلى مستوى سياسي غير مسبوق لإسرائيل”، وبمثابة “بطاقة صفراء” لحكومة بنيامين نتنياهو التي تفقد بسرعة قدرتها على التأثير في مواقف المجتمع الدولي.

سقوط السردية الإسرائيلية

وحسب التقرير المطول الذي أعده المراسل السياسي للصحيفة إيتمار آيخنر، فقد أُسدل الستار على المؤتمر الفرنسي السعودي في الأمم المتحدة بصورة عكست “تغييرا في قواعد اللعبة”.

فبعد سنوات طويلة من نجاح إسرائيل في إحباط خطوات مماثلة، وجدت نفسها فجأة في مواجهة أكثر من 150 دولة تعترف باستقلال الشعب الفلسطيني، بينها دول غربية جديدة أضافت زخما كبيرا لهذه الموجة.

وقال كاتب التقرير آيخنر، تعليقا على ذلك، “بالأمس، كان واضحا بالفعل في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إسرائيل في أدنى مستوى سياسي جديد”، وأضاف “الفارق الأساسي هذه المرة أن الاعتراف لم يعد حكرا على دول عدم الانحياز أو الدول العربية، بل شمل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وإسبانيا، ودولا أخرى من الاتحاد الأوروبي توصف عادة بأنها “دول متشابهة التفكير”.

وتقدّر إسرائيل أن الديمقراطيات القليلة التي لم تنضم بعد، مثل فنلندا واليابان وكوريا الجنوبية، ستفعل ذلك عاجلا أو آجلا، وهو ما “سيضرب قلب الردع الدبلوماسي الذي بنت عليه إسرائيل صورتها لسنوات” حسب آيخنر.

ويؤكد المراسل السياسي أن الأكثر إيلاما بالنسبة لإسرائيل كان الموقف السعودي، فالمملكة التي اعتبرتها تل أبيب وواشنطن قبل وقت قصير حجر الزاوية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، اختارت قيادتها حالة الاصطفاف في المعسكر المؤيد للفلسطينيين، ووفق الصحيفة، فإن هذا التطور يرمز إلى أن إسرائيل تحولت “من جزء من الحل إلى جزء من المشكلة في نظر العواصم الخليجية”.

ويسلط آيخنر الضوء في تقريره على كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام الأمم المتحدة، الذي لم يتردد في مهاجمة إسرائيل مباشرة، ووصف هجومها على الدوحة بأنه إرهاب دولة، وانتهاك خطير لسيادة دولة، وخرق سافر وغير مبرر للأعراف والمواثيق الدولية.

وأضاف أن الشيخ تميم قال في خطابه إنه “إذا كان ثمن تحرير الرهائن الإسرائيليين هو وقف الحرب، فإن حكومة إسرائيل تتخلى عن تحريرهم. فهدفها الحقيقي هو تدمير غزة”.

كما أكد الشيخ تميم في خطابه أن “نتنياهو يفتخر أمام شعبه بأنه منع قيام دولة فلسطينية، ويعده أن الدولة الفلسطينية لن تقوم مستقبلا، وأنه يتباهى بمنع تحقيق السلام مع الفلسطينيين وبأنه سوف يمنع تحقيقه في المستقبل”.

كلمة أمير قطر، كما يشير آيخنر، لاقت صدى واسعا في القاعة وأكدت أن صورة إسرائيل في المنطقة آخذة بالتدهور بوتيرة غير مسبوقة.

حسابات واشنطن وحدود المناورة الإسرائيلية

ورغم هذه العزلة المتصاعدة، لا تزال إسرائيل تتمتع بغطاء قوي من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد رفض ترامب علنا موجة الاعترافات، واعتبرها “مكافأة لحماس“. وفي خطابه أمام الجمعية العامة قال: “بدلا من الاستسلام لمطالب حماس بالفدية، يجب على أولئك الذين يريدون السلام أن يتحدوا برسالة واحدة: أطلقوا سراح الرهائن الآن”.

لكن تقرير يديعوت يحذّر من أن الاعتماد الكامل على ترامب مغامرة محفوفة بالمخاطر، فالرئيس الأميركي “شديد التقلب”، وقد يغيّر موقفه بين ليلة وضحاها وفقا لمصالح اقتصادية أو اعتبارات سياسية داخلية. وبناء على ذلك ترى الصحيفة، أنه لا يمكن لإسرائيل أن تضع “كل بيضها” في سلّة البيت الأبيض.

في الداخل الإسرائيلي، يناقش نتنياهو وحكومته خيارات الرد، فبعض الوزراء يدفعون باتجاه خطوات أحادية مثل ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، لكن آيخنر ينقل عن مصادر دبلوماسية أن مثل هذا الإجراء “سيُفسَّر كتحدٍ مباشر للمجتمع الدولي، وسيفتح الباب أمام قرارات قاسية في مجلس الأمن وحتى عقوبات اقتصادية”.

وأمام إسرائيل خيار آخر يتمثل في معاقبة فرنسا على قيادتها المبادرة عبر إجراءات دبلوماسية، بيد أن باريس، بحسب التقرير، مستعدة للرد بخطوات مقابلة، من بينها فتح سفارة في رام الله إذا أغلقت إسرائيل القنصلية الفرنسية في القدس. وهذا يعني أن إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع قوة أوروبية كبرى.

ويبقى الاحتمال الأكثر خطورة هو تفكيك السلطة الفلسطينية أو إلغاء اتفاق أوسلو، فهذا الخيار سيجرّ -وفقا للتقرير- انتقادات دولية واسعة ويضرّ بالتنسيق الأمني الذي تعتمد عليه إسرائيل نفسها.

ويخلص آيخنر إلى أن “خيار الجلوس مكتوف الأيدي غير موجود في قاموس هذه الحكومة”، ما يعني أن إسرائيل ستبحث عن ردّ ذي مغزى، وإن كانت قدرتها على التأثير قد تراجعت بشكل ملحوظ.

خسائر عميقة في الردع الدبلوماسي

تحاول إسرائيل التشبث بما تعتبره “إنجازات نسبية”، من قبيل امتناع ألمانيا وإيطاليا عن الانضمام إلى موجة الاعتراف، وهو ما يفسره آيخنر بالخلفية التاريخية الخاصة بهما. كذلك لم تنضم المجر وتشيكيا، لأسباب تتعلق بخلافاتهما المستمرة مع الاتحاد الأوروبي، أما الأرجنتين، بقيادة الرئيس الموالي لإسرائيل خافيير ميلي، فقد اختارت بدورها عدم دعم الخطوة.

وتشير يديعوت إلى أن إسرائيل نجحت في إقناع فنلندا بعدم الانضمام حاليا، كما امتنعت نيوزيلندا واليابان عن الاعتراف في هذه المرحلة، لكن وزير الخارجية الياباني أوضح أن الأمر “ليس مسألة ما إذا كانت ستعترف بل متى”، مما يعني أن مكاسب إسرائيل مؤقتة ومهددة بالزوال في أي لحظة.

ويحذر المراسل السياسي من أن باريس بالفعل تحضر لموجة ثانية من الاعترافات تستهدف دولا آسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، مما يضع إسرائيل أمام تحدٍ جديد في قارة كانت تعتبرها ساحة أكثر أمانا.

وفي محاولة لموازنة الكفّة، تبنّت إسرائيل إستراتيجية التواصل مع أحزاب المعارضة في الدول التي اعترفت، فقد تحدّث وزير الخارجية جدعون ساعر مع قيادات في أستراليا وكندا وبريطانيا، وحصل بالفعل على تصريحات تفيد بأن هذه القرارات يمكن أن تُلغى إذا تغيّرت الحكومات.

وعلى سبيل المثال، قالت زعيمة المعارضة الأسترالية سوزان لي إنها “ستتراجع عن قرار الاعتراف بدولة فلسطينية إذا وصلت إلى السلطة”. أما في كندا، فقد وصفت نائبة زعيم المعارضة ميليسا لانزمان القرار بأنه “خيانة لحلفائنا وهدية ضخمة لحماس”.

لكن هذه التصريحات، كما يشدد آيخنر، لا تلغي حقيقة أن إسرائيل اليوم “معزولة سياسيا أكثر من أي وقت مضى، وأن ردعها الدبلوماسي في حالة انهيار شبه كامل”.

إنذار دولي مفتوح

يلخص التقرير ما جرى في الأمم المتحدة بأنه “كثير من الضجة من أجل لا شيء” من الناحية العملية، إذ إن إعلان دول اعترافها بالدولة الفلسطينية لا يغير شيئا على الأرض، لكن الحقيقة الأعمق هي أن هذه الخطوة تعكس إذلالا دبلوماسيا لإسرائيل، وتؤكد أن الحكومة الحالية لا تملك رؤية سياسية بديلة.

ويؤكد آيخنر في ختام تقريره أنه “يجب على إسرائيل أن تنظر إلى ذلك على أنه نوع من البطاقات الصفراء، وأن الحكومة يجب أن تفهم أنها لا تستطيع الاستمرار في العمل بهذه الطريقة”.

وبينما يترقب نتنياهو لقاءه المرتقب مع ترامب ليقرر خطوته التالية، فإن المحلل السياسي يؤكد على أن المؤشرات تزداد على أن إسرائيل باتت أكثر تبعية لواشنطن، وأكثر عزلة عن العواصم الغربية التي كانت حتى الأمس القريب الداعم الأقوى لها، ويطرح السؤال التالي: هل يبقى الأمر عند حدود البطاقة الصفراء، أم أن المجتمع الدولي يستعد لرفع بطاقة حمراء في وجه إسرائيل إذا استمر نهجها الحالي؟

المصدر: يديعوت أحرونوت

زر الذهاب إلى الأعلى