مقالات وتقارير

أحمد سويد.. النحات الذي حفِر تاريخ حضرموت في الخشب

أحمد سويد.. النحات الذي حفِر تاريخ حضرموت في الخشب

خاص – منصة المكلا الإعلامية

في زوايا مدينة المكلا القديمة، وتحديدًا في حي الحارة، وُلد أحمد سويد عام 1945، ليصبح مع مرور العقود شاهدًا حيًا على ذاكرة حضرموت الفنية. لم يكن مجرد نجارٍ تقليدي، بل كان فنانًا تشكيليًا يحوّل الخشب إلى سردٍ حيّ لتاريخٍ عريق.

منذ أن بدأ رحلته مع النحت في عمر الثامنة عشرة، وهب سويد عمره لهذا الفن، حتى بات من القلائل الذين يحملون أسراره في الوطن العربي. ورغم العروض المغرية التي تلقاها من الخارج، خاصة من السعودية والإمارات، ظل متمسكًا بأرضه، رافضًا مغادرتها. يقول بثقة: “يريدون أن يعرفوا سر مهنتي ثم يستغنون عني. وأنا لا أستطيع ترك وطني”.

لم تكن أعماله مجرد مجسمات خشبية، بل لوحات ناطقة تعبّر عن حضارة حضرموت بكل تفاصيلها. من بوابة قصر السلطان القعيطي إلى حصن الغويزي، مرورًا بجامع المحضار وقصر سيئون، وصولًا إلى مجسمات الأسماك كـ”الشروخ”، كلها تحكي قصة أرض وتاريخ وشعب.

يتّبع سويد في عمله منهجًا دقيقًا، يبدأ بالفكرة ثم الرسم وتحديد الأبعاد، يتبعها بتصميم “كليشة” أولية، ثم ينتقل للنحت والتركيب على صندوق خشبي. رغم استخدامه لأنواع خشب عادية، فإن لمسته الفنية تحوّل القطعة إلى تحفة تفيض بالجمال والحنين.

يقول: “الخشب وحده لا يكفي، السر في الإحساس والمهارة”، وهو ما يظهر جليًا في كل تفصيلة من أعماله. لم يتوقف عن العطاء رغم تجاوزه الثمانين، فالنحت بالنسبة له ليس حرفة بل شغف يسكن قلبه.

يحظى محله البسيط في المكلا باهتمام الزائرين من اليمن وخارجها، وخاصة المغتربين الذين يطلبون أعماله كهدايا تمثل الهوية الحضرمية. وكان قد استقبل على مدى سنوات زوارًا من أوروبا والاتحاد السوفييتي سابقًا، غير أن الأوضاع الراهنة قلّلت من هذا الحضور، كما تراجع اهتمام الجهات الرسمية بأعماله.

ابنته حنان، وهي معلمة لغة عربية، تؤكد أن أعمال والدها عبرت الحدود، وتُهدى اليوم في الخليج كقطع فنية تروي قصة حضرموت.

النحات أحمد سويد لم يكتفِ بنقش الخشب، بل نقش اسمه في ذاكرة المكان والناس، فكان شاهدًا ومؤرخًا بيدٍ ناعمة وروحٍ مخلصة لفنه ووطنه.

زر الذهاب إلى الأعلى